الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية عبد الوهاب الهاني (رئيس حزب المجد): زيارة المرزوقي للمغرب وتصريحاته طعنة في ظـهـر الدولـة التونسيـة..

نشر في  12 أوت 2015  (12:12)

 هو سياسي عرف بفصاحة لسانه وقوة كلماته ودقة تحاليله وغالبا ما عودنا  بتقديم رؤية واضحة المعالم وتحاليل معمقة تليق برجل سياسي وحقوقي.. تطرقنا معه خلال هذا الحوار الشيق إلى العديد من المسائل الهامة التي تخص الشأن العام التونسي والمواضيع «الحارقة» التي تمس واقعنا هذه الأيام..
إنه عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد والناشط الحقوقي واللاجئ السياسي بفرنسا على مدى 20 عاما والذي اعتبر انّ حزبه اليوم يتموقع في مكان المعارضة البناءة التي تمثل العين الرقيب لأداء الحكومة. وقد كانت لنا معه  هذه المصافحة التي تكتشفون «كواليسها» تباعا...

- في البداية، موقفك من تسليم البغدادي المحمودي لحكومة طرابلس وتملص المرزوقي من المسؤولية خاصة وأنه تجدد طرحها على الساحة إثر الحكم عليه بالإعدام؟
أعتقد أن السجال الحالي بين رئيس الحكومة المؤقت السابق ورئيس الجمهورية المؤقت السابق هو سجال صبياني، يسيء إلى الدولة التونسية. ونعتقد أن محاولات تملص البعض من مسؤولياتهم ورميها على الطرف الآخر من الذين كانوا في نفس التحالف الحاكم «الترويكي»، يعبر على غياب المسؤولية في الثقافة السياسية. ولذلك نعتقد أنه على البرلمان أن يسرع في تنظيم  جلسة استماع في اقرب الآجال لكل الشركاء في هذه القضية.
يجب أن يحسم هذا الأمر في البرلمان. ويجب أن تمتنع أحزاب الترويكا عن تصفية حساباتها بعد أن فشلت في إدارة الدولة لمدة 3 سنوات، وخاصة إثر عدم مصارحتها التونسيين بحقيقة ما جرى خاصة وأننا اكتشفنا بأنه لم يكن هنالك مصداقية لما كان يردد بخصوص أن رئيس الجمهورية السابق لم يكن على علم بقضية التسليم، لأنه كان على متن طائرة عسكرية في الجنوب التونسي يصعب الاتصال به. وكأننا في بلاد «الوقواق» ولسنا في الجمهورية التونسية.
كان مطلوبا اخذ التزامات كتابية وتعهدات رسمية من الدولة الليبية ورموز ومشايخ القبائل آنذاك باحترام الحرمة البشرية للسيد البغدادي المحمودي وللتمتع بشروط وضمانات المحاكمة العادلة في كل مكان.
- ما هو تعليقك بخصوص زيارة الحبيب الصيد لمقر حركة النهضة وما أثارته من ردود فعل منددة؟
قوانين الدولة الديمقراطية المحترمة، تقتضي ألا يتنقل رئيس الحكومة إلى مقرات الأحزاب وأن تزور الأحزاب السيد رئيس الحكومة، وهو ما قام به حزب المجد بعد تكليف رئاسة الحكومة، حيث أدينا زيارة تهنئة وقدمنا له مجموعة من المقترحات. أما أن يتحوّل رئيس الحكومة ـ على مستوى الشكل ـ إلى مقرات بعض الأحزاب فهذا فيه إضعاف للموقف السياسي للحكومة وكأنّ الحكومة باتت خاضعة للأحزاب الحاكمة وهذا يمثل خطرا على هيبة الدولة وعلى احترام نواميس الدولة.
أما على مستوى المضمون، فان هذه الزيارة جاءت في ظل وضع اقتصادي هش تمر به البلاد. وجاءت أيضا في ظل وضع ميزانية صعبة، حيث تم تمرير قانون الميزانية التكميلي لسنة 2015 والذي يتضمن إجراءات غير شعبية وتراجعا غير مسبوق في نسبة النمو من 3 إلى 0.5 بالمائة، فأصبحت هذه الميزانية التكميلية عبارة عن ميزانية «الصفر فاصل» (صفر فاصل تنمية، صفر فاصل تشغيل، صفر فاصل استثمار، صفر فاصل أمل).
 وجاءت أيضا هذه الزيارة بعد نقاشات حادة حول موضوع التعيينات، وكنا نأمل أن يفرض السيد الحبيب الصيد رئيس الحكومة وابن الإدارة التونسية على كل الأحزاب المشاركة في التحالف الرباعي أو «الكواريتات» كما يسمى باللاتينية، يفرض مبدأ الحياد واستقلالية الإدارة عن كل الولاءات الحزبية أو الجهوية أو التجارية والاقتصادية أو غيرها.
- بالحديث عن السفير والقنصل، كيف ترون آداء وزارة الخارجية اليوم؟
أولا اعتقد أن الديبلوماسية التونسية تعيش اليوم نوعا من الغياب والتردد والتراخي الدبلوماسي، بل يجدر القول انها باتت تحت مسمى «دبلوماسية الغياب» فتونس غائبة عن المحافل الدولية. أولا في ما يخص الملفات الحارقة حيث كان على تونس أن تلعب دور الريادي في حل النزاعات وخاصة على المستوى الإقليمي بطريقة سلمية. وقد لاحضنا غيابا غير مقبول وغير منطقي عن حل أزمة النزاع الليبي، وقد تفضلت الشقيقة المغرب باستضافة مفاوضات «الصخيرات» بمشاركة الأمم المتحدة ، في حين كان بإمكان تونس أن تشارك وأن تحتضن مفاوضات الحوار الوطني الليبي-الليبي على أرضها.
كما  تميزنا بغياب غير مقبول في مفاوضات السلام في اليمن ومفاوضات الحل السلمي السوري ومفاوضات جينيف وغيرها من الملفات الشائكة.
- الثابت أنك تتابع اللمسات الأخيرة للإمضاء على قانون مكافحة الإرهاب، فكحقوقي ما هو موقفك منه في ظل الأصوات التي تعتبر أنه يشكل خطرا على حقوق الإنسان في تونس؟
لقد كان بالإمكان عدم اللجوء إلى هذا القانون والاكتفاء بقانون 2003 وبتفعيل الضمانات الدستورية الواردة في الدستور الجديد،حيث أنّ أغلب الدول التي واجهت هذه الآفة النكراء لم تقم بسن قوانين جديدة واكتفت  بالمجلة  الجزائية أو بإضافة بعض الفصول.. لكن رغم هذا نعتبر أن هذا القانون فيه بعض الفصول التي يمكن أن تمثل مدخلا لانتهاكات حقوق الإنسان، لذلك وجب الإسراع ببعث هيئة المحكمة الدستورية في اقرب الآجال لتنظر في دستورية هذا القانون ولتصلح بعض المخاطر، وتطمئن الرأي العام وتفعل الضمانات الدستورية لاحترام حقوق الإنسان في إطار مكافحة الإرهاب.
- برأيك كيف يمكن أن ننجح في مكافحة الارهاب؟
لا يمكن أن ننجح في مكافحة هذه الظاهرة إلا عبر احترام حقوق الإنسان، لأن هذه الحقوق تقوم على ثلاثية الحق في الحياة والحق في الأمن والحق في الحرية.. هذا هو الثالوث المقدس الذي قامت عليه ثقافة حقوق الإنسان وكونيتها، التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي حرص على ربط هذه الحقوق الثلاثة بفصل واحد وهو الحق في الحياة والحق في الأمن والحق في الحرية ،فلا مجال للفصل بين هذه الحقوق الثلاثة.
 ونعتقد أن الأمر لا يتعلق فقط عند قانون فهو لا يحل المشكل فنحن بحاجة إلى استراتيجيا وطنية شاملة ومتكاملة لمكافحة الإرهاب، بها جانب جزائي أمني وعسكري وكذلك تربوي وثقافي وديني واجتماعي وإعلامي. فكل هذه الجوانب يجب أن تمثل مقاربة وطنية خاصة لمكافحة هذه الجريمة وإبادتها.
- دعا المنصف المرزوقي الشعب المغربي إلى التمسك بالملكية وهو ما أثار العديد من الانتقادات وهناك من اعتبر انه يندرج ضمن «النفاق السياسي المتماشي مع المصالح» الذي يتبعه خاصة وأنّ مواقفه السياسية  كانت تقوم أساسا على المدافعة عن النظام الجمهوري، فما رأيك؟...
لقد عودنا المنصف المرزوقي بتصريحاته العاطفية والارتجالية والتناقض في المواقف وتضاربها يمينا وشمالا وتحويلها مئات الدرجات في لمح البصر.. في الحقيقة هنالك مبدأ من المبادئ المعمول بها في السياسة الخارجية وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول لا بالإيجاب ولا بالسلب فكل دولة تختار نظامها السياسي، كما نعتقد أيضا أن لكل دولة وشعب نسق تطور تاريخي ومسارا يختار بموجبه هذا النظام أو ذاك، المهم هو احترام المبادئ الكونية لاحترام حقوق الإنسان وكرامته.
حقيقة زيارة المرزوقي للمغرب على مستوى الشكل استبقت زيارة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وفيها نوع من الاستباق المرضي وغير اللائق وغير المسؤول، حيث أنه كان من المفترض أن يبدأ رئيس الجمهورية بزيارة الدول ثم يليه بعدها كل من القادة السياسيين، وألا نشوش على زيارات رئيس الجمهورية الذي يمثل الدولة وكل التونسيون.
من ناحية أخرى، كشفت هذه الزيارة الولاء الكبير الذي يوليه المنصف المرزوقي للعرش المغربي وهو ما يبعث رسالة خطيرة جدا للشباب التونسي، فلا ينبغي أن يوجّه الولاء إلا للدولة التونسية دون سواها، ودون الوقوع في مزدوج الجنسية الأخرى أو الثقافة.   
وما فعله المرزوقي هو طعنة في ظهر الدولة التونسية ولولائها ونأمل أن تتوقف هذه الصبيانيات...
- طالبت منظمة حرية وإنصاف في بيان لها بحل فرقة القرجاني وتوحيد الجهود الامنية في مكافحة الارهاب في فرقة واحدة، فماهو تعليقك؟
نعتقد أنّ وجود مجتمع مدني حيّ ضروري،  لكن نعتقد أيضا أنّ وجود أجهزة قوية للدولة ضروري أيضا لحماية أمن المواطن وهذا من صميم حقوق الإنسان. فانتقاد أداء فرقة من الفرق الأمنية أو انتقاد آداء قاض من القضاة جائز ويعد حقا من حقوق المجتمع المدني نظرا لدوره الرقابي.. أما أن نطالب بحل أجهزة كاملة فهذا يؤدي بنا إلى الفوضى كما حصل بعد القرار غير المسؤول إبان الثورة بحل جهاز أمن الدولة الذي كان من المطلوب إصلاحه -وليس حله- حتى لا يصبح جهازا للقمع بل لأمن الوطن والمواطن.
وقد أصبحنا اليوم نعاني من سلبيات كارثية لحل هذا الجهاز ولا يمكن اليوم وتونس تكافح وتواجه هذه الآفة الخطيرة التي تشهدها المنطقة الإقليمية وكذلك الدولية أن ندعو إلى مثل هذا الطلب...
- كلمة توجهها إلى المرأة التونسية بمناسبة عيدها؟
أستحضر في هذا الإطار بيتا شعريا لمحمود درويش مقتطفا من قصيدة رائعة له، خاطب فيها المرأة العربية ممثلة في «خديجة» وقال فيها :»خديجة لا تغلقي الباب.. خديجة لا تدخلي  في الغياب»، إذن رسالتي للمرأة التونسية ألا تدخل في الغياب وألا تغلق باب مشاركتها في حياة المجتمع وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والرياضية وكذلك الإبداعية، لان المجتمع لا يتقدم بنصف واحد بل يتقدم بنصفين متلازمين مجسدين في الرجل والمرأة..
على المرأة التونسية أن تعود إلى الإرث الإصلاحي للمناضلة بشيرة بن مراد التي للأسف تم طمس تاريخها ودورها النضالي في تحرير المرأة التونسية، كذلك لدور المصلحة الكبيرة فاطمة بن علي حرم لسود وهي من أولى الفتيات اللواتي فرضن على الشيخ الطاهر بن عاشور فتح الفرع الزيتوني للبنات ومعادلة شهائد البنات بشهائد الذكور في جامع الزيتونة المعمور وكانت الدروس تقام آنذاك في محرابه (في الخمسينات).. يجب أيضا أن يبرز الدور التاريخي للمرأة التونسية اليوم : دور السيدة فتحية مزالي والمناضلة راضية الحداد ودور المناضلات سواء في الحقل السياسي أو الاجتماعي أو غيره.
فاليوم المرأة تتعرض إلى هجمة «تشييئية» من قبل عقليات تريد تحويلها إلى مجرد سلعة إشهارية أو استهلاكية ومن قبل عقليات رجعية أخرى تريدها مجرد أداة للجنس وللبيت، وهو ما يمثل خطرا كبيرا على المرأة التونسية التي كانت في الحقيقة رائدة في العالم العربي ،ولا تزال رائدة  إلى يومنا هذا. وكما قلت يجب أن نحرّك ونحيي هذا المخزون الوطني من الحركة النسوية التحررية.
ورغم أننا لا ننسى الدور الإصلاحي الرائد للطاهر الحداد والحبيب بورقيبة، إلا أن المرأة كانت حاضرة بقوة لنيل حقوقها ومكاسبها، وعليها أن تستمر في الحضور وتواصل درب الكفاح وان لا تغلق الباب كما قال محمود درويش.
- لو كان عبد الوهاب الهاني رئيسا للجمهورية، فماهي الخطوات الأولى التي كان سيتخذها؟
أول قرار لعبد الوهاب الهاني رئيسا للجهورية هو تحفيز مسار العدالة الانتقالية للإسراع به على أقوم المسالك، وكذلك دعم العدالة الانتقالية وبناء أوسع توافق وطني حول هذا الموضوع حتى ينتهي موضوع العدالة الانتقالية قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. ونطوي هذه الصفحة نهائيا بطريقة ايجابية تمكننا من معالجة الماضي، كأمة واحدة موحدة غير منقسمة بكل سمات هذا الماضي بسلبياته وايجابياته.
الجانب الثاني هو بناء سياسة خارجية قوية للدولة التونسية، وبناء توافق وطني واسع على سياستها الخارجية واشراك أكبر عدد ممكن من القوى السياسية والمدنية لبنائها لخدمة التنمية والمصالح العليا في تونس. وهكذا  تلعب تونس دورا رياديا في حل النزاعات في العالم بطريقة سلمية ولنؤمّن حضورها في المحافل الدولية، وتقديم مقاربتها ورؤيتها وتصورها لقضايا العالم. لان الأمم لا تكون كبيرة إلا بعظمة رؤاها وتصوراتها الخارجية.
الجانب الثالث هو حث الحكومة على تقديم رؤية تنموية مستقبلية لتونس لسنة  2053، حتى نحتفل بالذكرى المائوية الأولى للاستقلال وبلادنا في وضع متقدم ومزدهر في وضع يشعر فيه كل التونسيين بعزة الانتماء وعزة المجد لهذا الوطن.
أما الجانب الرابع بالطبع فهو بعث المجلس الأعلى للأمن القومي في أقرب الأجال حتى يكون مؤسسة دستورية جمهورية تتناول كل قضايا الأمن الاستراتيجي وتتخذ كل الإجراءات اللازمة في شانها.
- الكلمة الأخيرة لك؟
تحية لجريدتكم التي اختارت «الجمهورية» اسما لها وما أحوجنا الآن إلى استحضار قيم الجمهورية والدفاع عن قيمها ومعانيها الأصيلة خاصة والبعض يريد أن يعيدنا إلى الملكية.

حاورته: منارة تليجاني